نهب الآثار في سوريا يتفاقم بعد سقوط الأسد: فوضى تنقيب وبيع علني عبر فيسبوك
تنقيب غير مشروع وسط ظلام الحرب
في ظلال ليل دامس، لا يأتي الحفارون بحثًا عن الحقيقة أو التاريخ، بل عن الذهب والأطماع. في تدمر، المدينة الأثرية التي تعود للقرن الثالث قبل الميلاد، تكشف الحفر العشوائية العميقة عن حجم التدمير الذي ألحقه الباحثون عن الكنوز، إذ تحولت المقابر القديمة إلى ميادين للنهب المنظم.
محمد الفارس، أحد سكان المدينة وناشط في منظمة “التراث من أجل السلام”، التقط بقايا جرة محطمة بجانب قطعة من قنبلة قديمة، معلقًا: “عندما تُخلط الطبقات الأثرية بهذا الشكل، يصبح من المستحيل على علماء الآثار فهم تسلسل التاريخ.”
فيسبوك... بوابة تهريب الآثار
مع انهيار الأجهزة الأمنية عقب الإطاحة بالأسد، تصاعدت عمليات تهريب الآثار إلى مستويات قياسية. بحسب مشروع ATHAR المعني برصد أسواق الآثار الرقمية، فإن أكثر من ثلث حالات نهب وتهريب الآثار السورية البالغ عددها 1,500 وقعت بعد ديسمبر وحده.
منصات التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك، أصبحت سوقًا مفتوحًا لبيع القطع الأثرية المنهوبة. تُعرض تماثيل، نقوش، وموزاييك كامل بأسعار تبدأ من آلاف الدولارات. بعض المستخدمين يبثون مقاطع مباشرة من مواقع التنقيب، طالبين نصائح من المتابعين حول أفضل الأماكن للحفر.
شبكات منظمة... وجه آخر للجريمة
في مناطق مثل سلمية، حفرت آلات ثقيلة خنادق بعمق 5 أمتار في مواقع أثرية تعود إلى العصر البرونزي، ما يشير إلى تورط شبكات محترفة. لاحقًا، تُهرب القطع إلى الأردن وتركيا، حيث تُزوّر فواتير الشراء لتدخل سوق الآثار الدولية بطريقة “قانونية”.
تشير كاتي بول، مديرة مشروع الشفافية التكنولوجية وأحد مؤسسي ATHAR، إلى أن “ما يحدث في سوريا هو أكبر موجة تهريب آثار شهدناها من أي بلد على الإطلاق”. وتضيف أن سياسة فيسبوك بحظر بيع الآثار “موجودة على الورق فقط”.
الطلب الغربي يغذي الأزمة
يعيش 90٪ من السوريين تحت خط الفقر، مما يدفع العديد من المواطنين العاديين للمغامرة بالتنقيب. وبينما الحكومة الجديدة تحاول ضبط الوضع عبر تقديم مكافآت لمن يسلم الآثار، فإن قلة الموارد وصعوبة الرقابة على آلاف المواقع تجعل من وقف النزيف الثقافي مهمة شبه مستحيلة.
يرى الدكتور عمرو العظم، أستاذ التاريخ في جامعة شووني الأمريكية، أن “إيقاف هذه الظاهرة يتطلب كبح الطلب الغربي على الآثار، لا فقط معاقبة المورّدين المحليين”.
أمل في الحماية المحلية
في تدمر، يروي محمد الفارس كيف تغيرت مدينته بعد 15 عامًا من الحرب. في الليل، يقف هو وعدد من السكان في حراسة رمزية للمدينة القديمة، لمنع المزيد من النهب. وبينما وُجد من ينهب الآثار بحجج الحاجة، وُجد آخرون مستعدون للدفاع عن آخر ما تبقى من روح سوريا القديمة.
مقالات قد تعجبك أيضاً
