ضحايا المفقودين في سوريا: كيف يوثق أطباء الأسنان جرائم المقابر الجماعية
المقابر الجماعية في سوريا: رحلة الأطباء في البحث عن المفقودين
منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأت سوريا تواجه واحدة من أعقد الملفات الإنسانية في تاريخها الحديث: الكشف عن مصير عشرات الآلاف من المفقودين الذين اختفوا خلال سنوات القمع والاعتقال والتعذيب. وبين أنقاض دمشق ومدن الجنوب، تتكشف كل يوم قصص جديدة عن مقابر جماعية وأشلاء بشرية، فيما يعمل فريق صغير من أطباء الأسنان الشرعيين على إعادة الأسماء إلى أصحابها.
أطباء الأسنان في مواجهة الذاكرة الدموية
في الطابق السفلي لأحد المباني بدمشق، يجلس ثلاثة أطباء أسنان سوريون يتفحصون عظاماً وجماجم لأشخاص أُعدموا بطلقة في الرأس من مسافة قريبة.
يقول الدكتور أنس الحوراني:
“مهمتنا هي تحويل الرموز على الأكياس البلاستيكية إلى بشر لهم إنجازات وأحلام”.
بجانبهم، يرفع زميله الدكتور أحمد نعيم إحدى عظام الأطفال محاولاً تحديد عمره:
“العظام تروي لنا قصة إنسان”.
في ظل غياب مختبرات متطورة لتحليل الحمض النووي نتيجة العقوبات ونقص الإمكانيات، يعتمد هؤلاء الأطباء على سجلات الأسنان كوسيلة رئيسية للتعرف على هوية الضحايا.
المفقودون في سوريا: أرقام صادمة
بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تم توثيق أكثر من 155 ألف مفقود، فيما تشير تقديرات اللجنة الدولية للمفقودين إلى أن العدد قد يتجاوز 700 ألف شخص.
يقول مازن البلخي، مدير مكتب سوريا في اللجنة:
“نكتشف يوميًا مقبرة جماعية جديدة، وقد وصل عددها حتى الآن إلى 78 مقبرة. التعامل مع هذا الملف قد يستغرق عقودًا”.
مأساة صيدنايا: "مسلخ بشري"
المقابر الجماعية: من التضامن إلى السويداء
تشير التحقيقات إلى وجود مقابر جماعية ضخمة في عدة مناطق سورية، منها:
حي التضامن جنوب شرق دمشق، حيث أظهرت تسريبات عام 2022 إعدام 41 شخصاً بينهم نساء وأطفال على يد ضباط النظام.
منطقة سبينة جنوب دمشق، حيث عُثر على بقايا بشرية محترقة.
مدينة السويداء، التي شهدت مؤخراً سقوط أكثر من 1400 قتيل، ونُقلت منها 40 جثة جديدة إلى مركز التوثيق.
العدالة الانتقالية في سوريا: بداية الطريق
أعلنت الإدارة الجديدة للرئيس الشرع عن إنشاء هيئة وطنية للمفقودين وهيئة أخرى للعدالة الانتقالية. حتى الآن، تم تحديد هوية 78 مقبرة جماعية، بعضها يمتد على طول 90 متراً بعمق 4 أمتار.
مع ذلك، يرى الأطباء الشرعيون أن الطريق طويل ومرهق، ليس فقط تقنياً بل نفسياً. يقول الدكتور نعيم:
“نعيش أهوال الحرب كل يوم. الأسر بحاجة لمعرفة الحقيقة، لكن رؤية هذه الأهوال باستمرار أمر يصعب تحمّله”.
جراح لم تلتئم بعد
بين أنين الأمهات وصرخات الأطفال الذين يلعبون بين الأنقاض حاملين عظام الموتى، يظل ملف المفقودين في سوريا جرحاً مفتوحاً يروي فصولاً من الألم والوحشية.
إعادة الحقوق لأصحابها، والعدالة لضحايا المقابر الجماعية، لن يكونا مهمة سهلة، لكنها البداية الحقيقية نحو مصالحة وطنية وعدالة انتقالية تعيد للضحايا أسماءهم وكرامتهم.





