طباعة العملة السورية في أوروبا.. بين الواقع والتحديات

الصفحة الرئيسية / اقتصاد / طباعة العملة السورية في أوروبا.. بين الواقع والتحديات

طباعة العملة السورية في أوروبا.. بين الواقع والتحديات

في تصريح حديث، أعلن القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا، ميخائيل أونماخت، أن العملة السورية ستتم طباعتها في الاتحاد الأوروبي. هذا الإعلان يأتي في ظل تغييرات في سياسة العقوبات الأوروبية، حيث تم تعليق بعض العقوبات على قطاعات النقل والطاقة والتبادل المالي بين البنك المركزي السوري والبنوك الرسمية الأخرى، ما يفتح المجال أمام فرص جديدة للتعاون الاقتصادي.

تخفيف العقوبات وتمهيد للطباعة في أوروبا

في 24 فبراير الماضي، وافقت دول الاتحاد الأوروبي على تعليق مجموعة من العقوبات المفروضة على سوريا، والتي تعود لفترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد. وشمل التعليق قطاعي النقل والطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء، إلى جانب إزالة خمسة كيانات مالية ومؤسسات اقتصادية من قائمة العقوبات، مثل البنك الصناعي وبنك التسليف الشعبي وبنك الادخار والبنك التعاوني الزراعي والخطوط الجوية العربية السورية. كما سُمح بتوفير الأموال والموارد الاقتصادية للبنك المركزي السوري.

رغم ذلك، لم يُصدر مصرف سوريا المركزي أي بيان رسمي بشأن ما إذا كانت سوريا ستتجه فعلًا لطباعة عملتها في أوروبا، أو تفاصيل الاتفاقية المحتملة.

الطباعة في روسيا.. تاريخ طويل من التعاقدات

لطالما كانت روسيا المصدر الرئيسي لطباعة العملة السورية. ففي 5 مارس الحالي، وصلت شحنة جديدة من الليرة السورية المطبوعة في روسيا، ومن المتوقع وصول شحنات إضافية مستقبلًا.

وفقًا للدكتور عابد فضلية، أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، فإن اتفاقيات الطباعة بين سوريا وروسيا تم توقيعها منذ سنوات، قبل 8 ديسمبر 2024. هذا التأخير في الطباعة مرتبط بوجود مخزون سابق لدى روسيا، خصوصًا من فئة الـ5000 ليرة التي تم توريدها مؤخرًا. وأكد فضلية أن جميع عمليات الطباعة السابقة نُفذت في روسيا، نظرًا للعقوبات الغربية التي حالت دون طباعة العملة في أي دولة أوروبية.

لكن مع التطورات الأخيرة، يبدو أن عمليات الطباعة المستقبلية قد تتجه نحو أوروبا، وتحديدًا النمسا، وفقًا لما أشار إليه القائم بأعمال الاتحاد الأوروبي في سوريا.

التصميم الجديد للعملة.. ضرورة اقتصادية أم تحديث رمزي؟

لا تقتصر عملية طباعة العملة على توفير سيولة نقدية، بل تشمل أيضًا إعادة تصميمها لتعكس الهوية الوطنية والاقتصادية لسوريا. ويؤكد الدكتور فضلية أن الحكومة الحالية تدرك الحاجة الملحة لطباعة أوراق نقدية جديدة، لكن التحدي يكمن في تصميم عملة مختلفة تمامًا عن المتداولة حاليًا، سواء من حيث الصور أو الكتابات.

من أهم المعايير التي يجب أن تتوفر في العملة الجديدة:

  • صعوبة التزوير: استخدام تقنيات حديثة تجعل من المستحيل نسخها بطرق غير شرعية.

  • المتانة: مقاومة التآكل والماء لضمان عمر أطول للأوراق النقدية.

 

التبعات الاقتصادية للطباعة في أوروبا

وفقًا للخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي، فإن سوريا حاليًا لا تمتلك التكنولوجيا أو البنية التحتية اللازمة لطباعة عملتها داخليًا. الطباعة في الخارج، رغم أنها قد توفر جودة وثقة أعلى، إلا أنها تحمل تحديات تتعلق بالسيادة الوطنية والسياسات الاقتصادية والعقوبات.

يعتقد قضيماتي أن الطباعة في أوروبا ضرورة حتمية على المدى القريب، لكن لا بد من وضع استراتيجية طويلة الأمد لاستعادة القدرة على طباعة العملة محليًا. كما يجب دراسة جميع العروض المقدمة من الدول المختلفة، بناءً على موقفها السياسي، لضمان عدم استخدام هذا الملف كأداة ضغط على الحكومة السورية.

اتفاقية الطباعة.. شروط لا بد منها

طباعة العملة في الخارج تتطلب وضع اتفاقية واضحة تضمن الشفافية والاستقلالية الاقتصادية. ومن بين الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر:

  • عدم استخدام الطباعة كأداة ضغط سياسي على الحكومات السورية المستقبلية.

  • ضمان الجودة والأمان، بحيث تكون العملة مقاومة للتزوير والتلف.

  • التكاليف المعقولة، حيث يجب أن تكون تكلفة الطباعة مناسبة للوضع الاقتصادي السوري.

لكن حتى الآن، لا توجد أي اتفاقيات رسمية لطباعة العملة في الخارج، وفقًا لقضيماتي، مشيرًا إلى أن هذه العملية تتطلب فترة طويلة من الدراسة الاقتصادية وتقييم العروض المقدمة.

فئات العملة.. جدل بين مؤيد ومعارض

أثار موضوع إصدار فئات نقدية جديدة جدلًا بين الخبراء الاقتصاديين. الدكتور عابد فضلية يرى أن سوريا بحاجة إلى طباعة فئات نقدية أكبر من 5000 ليرة، لأن قيمة هذه الفئة أصبحت منخفضة لدرجة أن المواطن يحتاج إلى كميات كبيرة من الأوراق النقدية لإتمام أي معاملة مالية، مما يؤدي إلى تلفها بسرعة.

على الجانب الآخر، يعارض أدهم قضيماتي هذه الفكرة، مشيرًا إلى أن إصدار فئات نقدية أكبر قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم، لذلك يجب أن يتم بحذر ووفقًا لدراسات دقيقة.

الطباعة المحلية.. خيار استراتيجي للمستقبل

يعتبر طباعة العملة محليًا أحد أهم العوامل التي تعزز الاستقلال الاقتصادي، حيث تسهم في:

  • تعزيز السيادة المالية، إذ لا تحتاج الدولة إلى الاعتماد على طرف خارجي.

  • تقليل التكاليف على المدى الطويل، حيث تصبح العملية أقل تكلفة مقارنة بالطباعة في الخارج.

  • تحسين الثقة في العملة من خلال التحكم في كمية النقد المتداول.

لكن، في ظل غياب التكنولوجيا والموارد، يظل هذا الخيار بعيد المدى، ويتطلب استثمارات كبيرة في تطوير قطاع الطباعة داخل سوريا.

تاريخ طباعة العملة السورية.. من أوروبا إلى روسيا

حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي، لم تكن هناك عملة سورية مستقلة عن العملة اللبنانية، وكانت تُطبع في فرنسا. وبعد انفصال العملتين، بدأت سوريا بطباعة عملتها في أوروبا، وخاصة في النمسا وسويسرا.

لكن بعد عام 1970، انتقلت طباعة العملة إلى الاتحاد السوفييتي، ومن ثم روسيا، حيث استمرت حتى اليوم. ومع التغييرات السياسية والاقتصادية، يبدو أن المستقبل قد يشهد عودة الطباعة إلى أوروبا، لكن بشروط وضوابط تفرضها المرحلة الراهنة.

خلاصة

يمثل ملف طباعة العملة السورية في أوروبا تحولًا كبيرًا في السياسة المالية للبلاد، وسط تحديات اقتصادية وسياسية معقدة. وبينما يمكن أن تساهم هذه الخطوة في تحسين جودة العملة وتعزيز الثقة بها، فإنها تطرح تساؤلات حول السيادة المالية ومستقبل الاقتصاد السوري. وفي ظل غياب إعلان رسمي من مصرف سوريا المركزي، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الخطوة بداية لاستقرار اقتصادي، أم مجرد حل مؤقت لأزمة السيولة؟

4o